الفنون العربية الادبية .
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

الفنون العربية الادبية .

موقع الشعر العربي والتقدم الفني والبرمجي.
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 رواية رجال في الشمس لغسان كنفاني ( الجزء السادس ) ....

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
the king of cruise
Admin
the king of cruise


ذكر عدد الرسائل : 128
العمر : 33
تاريخ التسجيل : 17/09/2007

رواية رجال في الشمس لغسان كنفاني ( الجزء السادس ) .... Empty
مُساهمةموضوع: رواية رجال في الشمس لغسان كنفاني ( الجزء السادس ) ....   رواية رجال في الشمس لغسان كنفاني ( الجزء السادس ) .... Icon_minitimeالخميس سبتمبر 27, 2007 12:19 pm

واصل قراءة الرواية الممتعة والواسعة التعبير من هنا ::: Arrow Arrow Arrow

أتعرفون ماذا تفعلون إذا راود أحدكم العطاس؟
ابتسم أسعد ابتسامة باهتة بينما نظر مروان إلى تحت وبدا أن أبا قيس لم يفهم السؤال .. ليضع إصبعه تحت منخريه مستقيما .. هكذا ..
مثل أبو الخيزران الحركة فبدا وجهه مضحكا وقال أسعد وهو يخطو إلى الأمام :
لا أعتقد أن أحدنا سيعطس في هذا الفرن .. لا تقلق من هذه الناحية ..
وضع أسعد كفيه على خاصرتيه ووقف إلى جانب الفوهة مطأطئاً رأسه وكأنه يريد أن يرى ماذا يوجد في الداخل.. بينما خلع أبو قيس قميصه ولفه باعتناء تحت إبطه. وبدا صدره مستعرا شائباً وعظام كتفيه بارزة إلى الأمام.. جلس على حافة الفوهة مدليا ساقية داخلها . رمى بقميصه أولاً ، ثم بدأ ينزلق بطيئاً مستقيماً معتمداً على ذراعيه المشدودتين فوق حافة الفوهة حتى إذا ما لمست قدماه أرض الخزان أرخى ذراعيه وجعل ينساب باعتناء، فغاص رأسه ثم توارت ذراعاه..
قوس أسعد جسده وصاح:
كيف ترى الأمور؟
ودوى صوت عريض من الداخل كأنه آت من عمق سحيق:
إنه بئر ملعونة.. تعال.
نظر أسعد إلى مروان الذي خلع قميصه ووقف ينتظر بينما بدأ أبو الخيزران يتسلق السلم الحديدي من جديد.
دور من؟
دوري.
توجه مروان إلى الفوهة وأدار لها ظهره.. أنزل ساقيه أولا جاعلا بطنه فوق الحافة ثم انزلق الجسد ببراعة، وبقيت الكفان متمسكتين بإطار الفوهة لبرهة، ثم اختفتا.
لحق أسعد بزميليه دون أن يخلع قميصه، وحين وارته الفوهة انحنى أبو الخيزران محاولا أن يرى الوضع في الداخل إلا أنه لم ير شيئا، في كل مرة كان يطل بها كان جسده يحجب الضوء المتسلل من الفوهة فتتعذر الرؤيا، وأخيراً صاح:
ها ؟
وأجابه صوت عريض:
ماذا تنتظر؟ عجل، إننا على وشك الاختناق !
أغلق أبو الخيزران الغطاء بسرعة ودور يده المضلعة دورتين ثم انحدر راكضاً إلى مقعده، وبدأت السيارة، قبل أن ينغلق الباب، تلتهم الطريق.. !
في تلك الدقائق القليلة كانت، ثمة، فكرة واحدة تحوم في رأس أبي الخيزران، ليس غير
إن الطريق المحفرة ، التي تشبه درجا منبسطاً تهز السيارة وترجفها بلا هوادة وبلا إنقطاع .. إن هذا العزيز جدير بأن يجعل البيض عجة في وقت أقل مما تستطيع الخفاقة الكهربائية أن تفعل.. لا بأس بذلك بالنسبة لمروان فهو فتى، ولا بأس بذلك بالنسبة لأسعد فهو قوي البنية.. ولكن، ماذا عن أبي قيس؟ لا شك أن أسنانه تصطلك مثل إنسان على وشك أن يموت من شدة الصقيع، ولكن الفرق أنه ليس ثمة صقيع هنا.
بوسع أبي الخيزران أن يتلافى بعض هذا الهزيز لو زاد من سرعته أكثر.. لو جعل هذه الدبابة الجهنمية تسير بسرعة مئة وعشرين بدل التسعين التي يشير لها المؤشر الآن .. ولكن إذا فعل ذلك من يضمن أن لا تنقلب السيارة فوق مثل هذه الطريق الملعونة ؟ لا بأس أن تنقلب السيارة فهي ليست له ، ولكن ماذا لو استقرت على قفاها؟ ثم من قال أن محرك السيارة يتحمل مثل هذه السرعة في مثل هذا الجو وهذه الأرض؟ إنهم يضعون دائمًا على المؤشر أرقاماً عالية ليس من الحكمة أن يبلغها السائق الماهر..
لم يخفف السرعة حين وصل إلى صفوان ، بل إنه - حين دور في الساحة متجهاً إلى اليسار حيث يقوم المخفر لم يرفع قدمه عن مضغط البنزين قيد شعرة بل جعلها دورة واسعة نثرت الغبار في حلقة واسعة.. ولم يرفع قدمه إلا حين ضغط المكبح أمام باب المخفر بعنف، ومرق كالسهم إلى الداخل.
ساحة الجمرك ساحة رملية واسعة في صفوان تتوسطها شجرة كبيرة يتيمة تتهدل أوراقها المتطاولة فترمي ظلا واسعاً في الساحة.. وعلى الأطراف تنتصب حجرات ذات أبواب خشبية واطئة في داخلها مكاتب مكتظة ورجال مشغولون دائماً.. لم يلحظ أبو الخيزران، وهو يقتحم الساحة بقده المديد، سوى بعض النسوة الجالسات في ظل الشجرة ملتفعات بالعباءات. كان ثمة طفل أو طفلان يقفان إلى جانب صنبور المياه وكان الحاجب نائماً فوق كرسي القش العتيق.
أبو الخيزران متعجل اليوم !
نعم.. الحج رضا ينتظر.. إذا تأخرت طردني.
الحج رضا لن يطردك ، لا تخف.. لا يمكن أن يعثر على شاب مثلك.
هه ! الشباب يملأون الأرض كالفقع.. لو أشار بيديه لتهاووا فوقه كالذباب.
ماذا تحمل معك؟
أسلحة ! دبابات! ومصفحات ! وست طائرات ومدفعين..
انفجر الرجل ضاحكاً من أعماقه وتناول أبو الخيزران الأوراق من تحت يديه بخفة وانطلق إلى الخارج .. قال في ذات نفسه وهو يدخل إلى غرفة أخرى : “أصعب المراحل انتهت” بعد دقيقة واحدة خرج من الغرفة الأخرى.. وبأقل من لمح البصر كان يدور المحرك فيمزق السكون الضارب فوق صفوان وينطلق إلى الطريق من جديد.
فيما كانت السيارة تنطلق كالسهم تاركة وراءها خطاً من غيوم الغبار كان أبو الخيزران ينزف عرقاً غزيراً يصب في وجهه ممرات متشعبة تلتقي عند ذقنه.. كانت الشمس ساطعة متوهجة وكان الهواء ساخناً مشبعاً بغبار دقيق كأنه الطحين: “لم أر في حياتي مثل هذا الطقس اللعين..” فك أزرار قميصه فلامست أصابعه شعر صدره الغزيز المبتل.. كانت الطريق قد استوت، ولم تعد السيارة ترجف شأنها من قبل فزاد من سرعته - كان المؤشر يندفع إلى الأمام ككلب أبيض مربوط إلى وتد.
نظر إلى الأمام بعينيه الغارقتين في عرقه فتبين نهاية الهضبة الصغيرة.. وراء هذه الهضبة تحتجب صفوان، وهناك يتعين عليه أن يقف. زود ضغط قدمه فوق المضغط كيما تتسلق السيارة الهضبة دون أن تتباطأ، وأحس بأن عضلة ساقه قد تكورت حتى أوشكت أن تتمزع، الأرض تنطوي والسيارة تزأر، والزجاج يتوهج والعرق يحرق عينيه، وما تزال قمة الهضبة تتراءى له بعيدة كالأبد.. يا إلهي العزيز العلى القدير، كيف يمكن لقمة هضبة ما أن تعني كل هذه المشاعر التي تموج في شرايينه وتصب لهبها على جلده الملوث بالوحل عرقا، مالحا ؟ يا إلهي العلى الذي لم تكن معي أبداً، الذي لم تنظر إلى أبداً، الذي لا أؤمن بك أبداً. أيمكن أن تكون هنا هذه المرة؟ هذه المرة فقط؟
رف عينيه رفات سريعة ليغسل العرق عن جفنيه، وحين فتحهما آخر مرة كانت قمة الهضبة قد صارت أمامه..
وصل إلى أعلاها فأطفأ المحرك وترك السيارة تنزلق قليلا ثم أوقفها وقفز من الباب إلى ظهر الخزان.
خرج مروان أولاً : رفع ذراعيه فانتشله أبو الخيزران بعنف وتركه مفروشا فوق سطح الخزان.. أطل أبو قيس برأسه ثم حاول أن يخرج إلا أنه لم يستطع، عاد فأخرج ذراعيه وترك أبا الخيزران يساعده.. أما أسعد فقد استطاع أن يتسلق الفوهة. كان قد خلع قميصه.
جلس أبو الخيزران فوق سطح الخزان الساخن. كان يلهث وبدا أنه قد كبر عن ذي قبل.. بينما انزلق أبو قيس ببطء فوق العجلات واستلقى في ظل السيارة منبطحا على وجهه . وقف أسعد هنيهة يتنشق بملء صدره. كان يبدو؟ أنه يريد أن يتكلم إلا أنه لم يستطع .. وأخيراً قال لاهثاً :
أووف ! الطقس هنا في غاية البرودة !
كان وجهه محمرا ومبتلا، وكان بنطاله مغسولاً بالعرق أما صدره فقد انطبعت عليه علائم الصدأ فبدا وكأنه ملطخ بالدم.. نهض مروان وهبط السلم الحديدي بإعياء.. كانت عيناه حمراوين وكان صدره مصبوغاً بالصدأ وحين وصل إلى الأرض وضع رأسه فوق فخذ أبي قيس ومدد جسده ببطء إلى جانب العجل.. بعد لحظة تبعه أسعد ثم أبو الخيزران فجلسا واضعين رأسيهما فوق ركبهما المطوية.. قال أبو الخيزران بعد فترة:
هل كان الأمر مخيفاً ؟
لم يجبه أحد.. فدور نظره فوق وجوههم فبدت له وجوهاً صفراء محنطة، ولولا أن صدر مروان كان يرتفع ويهبط، ولولا أن أبا قيس كان يتنفس بصفير مسموع، لخيل إليه إذن أنهما ميتان..
قلت لكم سبع دقائق.. ورغم ذلك لم يستغرق الأمر أكثر من ست.
نظر إليه أسعد ببرود بينما فتح مروان عينيه دون أن ينظر إلى شيء معين ودور أبو قيس وجهه إلى الناحية الأخرى.
أقسم لك بشرفي. ست دقائق ! انظر إلى الساعة يا أسعد. ست دقائق بالضبطا انظر ! لماذا لا تريد أن تنظر؟ لقد قلت لكما ذلك، قلته منذ البدء، وأنتم تعتقدون الآن أنني أكذب عليكم.. ها هي الساعة انظر.. انظر.
رفع مروان رأسه ثم استند على عضديه وأخذ ينظر، ملقياً رأسه بعض الشيء إلى الوراء، باتجاه أبي الخيزران.. لم يكن يبدو أنه يراه بوضوح..
هل جربت أن تجلس هناك ست دقائق؟
لقد قلت لكم..
ثم إنها لم تكن ست دقائق.
لماذا لا تنظر إلى ساعتك.. لماذا ؟ إنها في رسغك، هيا انظر.. انظر.. وكف عن التحديق بي كالمجنون..
قال أبو قيس:
إنها ست دقائق.. كنت طوال الوقت أعد .. من الواحد إلى الستين: دقيقة، هكذا حسبت.. عددت ست مرات.. في المرة الأخيرة عددت ببطء شديد..
كان يتكلم بصوت منخفض وببطء.. فقال أسعد:
ماذا بك يا أبا قيس، هل أنت مريض؟
أنا؟ أنا؟ أوف، كلا.. لكنني أتنفس حصتي من الهواء.
وقف أبو الخيزران ونفض عن بنطاله الرمل ثم ثبت كفيه فوق خاصرتيه وأخذ ينقل بصره بين الرجال الثلاثة:
هيا بنا.. يجب أن لا نضيع وقتا أكثر.. أمامكم حمام تركي آخر بعد فترة وجيزة.
نهض أبو قيس واتجه إلى غرفة السائق بينما تسلق أسعد السلم الحديدي وبقي مروان جالساً في الظل.
قال أبو الخيزران:
ألا تريد أن تنهض
لماذا لا نستريح قليلا؟
صاح أسعد من فوق:
سنستريح كثيرا بعد أن نصل وليس قبل ذلك.. هيا..
ضحك أبو الخيزران بصوت عال.. ثم ضرب بكفه فوق كتف مروان وقال:
تعال اجلس إلى جانب أبي قيس، إنك نحيل ولن تضايقنا كثيراً. ثم إنك، كما يبدو متعب جدا.
صعد مروان فجلس إلى جانب أبي قيس بينما صاح أبو الخيزران بصوت عال قبل أن يغلق الباب:
البس قميصك يا أسعد وإلا شوتك الشمس..
قال مروان لأبي الخيزران بصوت موهن:
قل له أن يترك باب الفرن مفتوحا عله يبترد.
صاح أبو الخيزران جذلا :
واترك باب الخزان مفتوحاً..
هدر المحرك ومضت السيارة الكبيرة ترسم في الصحراء خطاً من الضباب، يتعالى، ثم يذوب في القيظ..



الشمس والظل
شق العالم الصغير الموهن طريقه في الصحراء مثل قطرة زيت ثقيلة فوق صفيحة قصدير متوهجة.. كانت الشمس ترتفع فوق رؤوسهم مستديرة متوهجة براقة، ولم يعد أحد منهم يهتم بتجفيف عرقه .. فرش أسعد قميصه فوق رأسه وطوى ساقيه إلى فخذيه وترك للشمس أن تشويه بلا مقاومة.. أما مروان فقد اتكأ برأسه على كتف أبي قيس وأغمض عينيه.. وكان أبو قيس كدق إلى الطريق مطبقاً شفتيه بإحكام تحت شاربه الرمادي الكث.
لم يكن أي واحد من الأربعة يرغب في مزيد من الحديث.. ليس لأن التعب قد أنهكهم فقط بل لأن كل واحد منهم غاص في أفكاره عميقاً عميقاً.. كانت السيارة الضخمة تشق الطريق بهم وبأحلامهم وعائلاتهم ومطامحهم وأمالهم وبؤسهم ويأسهم وقوتهم وضعفهم وماضيهم ومستقبلهم.. كما لو أنها آخذة في نطح باب جبار لقدر جديد مجهول.. وكانت العيون كلها معلقة فوق صفحة ذلك الباب كأنها مشدودة إليه بحبال غير مرئية.
سوف يكون بوسعنا أن نعلم قيساً وأن نشتري عرق زيتون أو عرقين، وربما نبني غرفة نسكنها وتكون لنا، أنا رجل عجوز قد أصل وقد لا أصل.. أو تحسب إذن أن حياتك هنا أفضل كثيراً من موتك؟ لماذا لا تحاول مثلنا؟ لماذا لا تنهض من فوق تلك الوسادة وتضرب في بلاد الله بحثاً عن الخبز؟ هل ستبقي كل عمرك تأكل من طحين الإعاشة الذي تهرق من أجل كيلو واحد منه كل كرامتك على أعتاب الموظفين؟
وتمضي السيارة فوق الأرض الملتهبة ويدوي محركها بلا هوادة..
شفيقة إمرأة بريئة.. كانت صبية يافعة حين طوحت قنبلة مورتر بساقها فبترها الأطباء من أعلى الفخذ.. وأمه لا تحب أن يحكي إنسان عن أبيه. زكريا راح.. هناك، في الكويت، ستتعلم كل شيء. ستعرف كل شيء.. أنت ما زلت فتى لا تفهم من الحياة إلا قدر ما يفهم الطفل الرضيع من بيت ! المدرسة لا تعلم شيئاً. لا تعلم سوى الكسل فاتركها وغص في المقلاة مثلما فعل سائر البشر.
السيارة تمضي فوق الأرض الملتهبة، ويدوي محركها بهدير شيطاني..
ربما كانت قنبلة مزروعة في الأرض تلك التي داس عليها فيما كان يركض، أو
ربما قذفها، أمامه، رجل كان مختبئاً في خندق قريب، كل ذلك لا يهم الآن.
ساقاه معلقتان إلى فوق وكتفاه ما زالتا فوق السرير الأبيض المريح والألم الرهيب يتلولب بين فخديه.. كانت، ثمة، امرأة تساعد الأطباء. كلما يتذكر ذلك يعبق وجهه بالخجل.. ثم ماذا نفعتك الوطنية ؟ لقد صرفت حياتك مغامراً ، وها أنت ذا أعجز من أن تنام إلى جانب امرأة ! وما الذي أفدته ؟ ليكسر الفخار بعضه. أنا لست أريد الآن إلا مزيداً من النقود.. مزيداً من النقود. السيارة تمضي فوق الأرض الملتهبة.. ويدوي محركها بالهدير.
دفعه الشرطي أمام الضابط فقال له: تحسب نفسك بطلا وأنت على أكتاف البغال تتظاهرون في الطريق ! بصق على وجهه ولكنه لم يتحرك فيما أخذت البصقة تسيل ببطء نازلة من جبينه، لزجة كريهة تتكوم على قمة أنفه.. أخرجوه، وحينما كان في الممر سمع الشرطي القابض على ذراعه بعنف يقول بصوت خفيض: “يلعن أبو هالبدلة” .. ثم أطلقه فمضى يركض. عمه يريد أن يزوجه ابنته ولذلك يريده أن يبدأ.. لولا ذلك لما حصل الخمسين ديناراً كل حياته.
السيارة تمضي فوق الأرض الملتهبة، ويهدر محركها مثل فم جبار يزدرد الطريق...
الشمس في وسط السماء ترسم فوق الصحراء قبة عريضة من لهب أبيض،
وشريط الغبار يعكس وهجاً يكاد يعمي العيون.. كانوا يقولون لهم إن فلاناً لم يعد من الكويت، لأنه مات، قتلته ضربة شمس، كان يغرس معوله في الأرض حين سقط فوقه وفوقها، وماذا،؟ ضربة شمس قتلته، تريدون أن تدفنوه هنا أو هناك؟ هذا كل شيء، ضربة شمس ! هذا صحيح، من الذي سماها ضربة؟ ألم يكن عبقريا ؟ كأن هذا الخلاء عملاق خفي يجلد رؤوسهم بسياط من نار وقار مغلي. ولكن أيمكن للشمس أن تقتلهم وتقتل كل الزخم المطوي في صدورهم ؟ كأن الأفكار كانت تسيل من رأس إلى رأس وتخفض بهواجس واحدة، لقد التقت العيون فجأة : نظر أبو الخيزران إلى مروان ثم إلى أبي قيس فوجده يحدق به، حاول أن يبتسم ولكنه لم يستطع فمسح عرق جبينه بكمه وقاله بصوت خفيض:
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://hashm.ahlamontada.com
 
رواية رجال في الشمس لغسان كنفاني ( الجزء السادس ) ....
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الفنون العربية الادبية . :: 
الشعر العام
 :: القصص والروايات.
-
انتقل الى: